10 - 05 - 2025

وجهة نظري| رأس مال الجبان

وجهة نظري| رأس مال الجبان

صدق من قال: رأس المال جبان.. لكن يبدو أن هذه المقولة كانت تنطبق على أصحاب رؤوس الأموال في الأزمنة الغابرة.. لأن جبن رؤوس الأموال الذى نشهده في هذا الزمان فاق كل توقع، فأصبحت تلك الصفة أقل كثيرا وأكثر تأدبا من صفات أخرى كثيرة تستحقها تلك الرؤوس التي فقدت إنسانيتها، وضربت أبشع الأمثلة على الانتهازية والجشع والأنانية، وظهرت في ابشع صورها وبدا معدنها الزائف، بعدما كشفت أزمة الوباء ذلك الوجه القبيح .

لم نكن بالطبع في حاجة لكورونا ليفضح لنا تلك الوجوه.. لكن ربما لم نتصور أن يصل القبح لهذه الدرجة .. أوعلى الأدق لهذه الفجاجة وإفتقاد الكياسة واللباقة وإختيار الكلمات المناسبة للتعبير عن مصالحها، لكن يبدو أن تاثير الفيروس الخطير أطاح بعقول رجال الاعمال، فأصبح من الصعب عليهم التفكير في تأثير وصدى كلماتهم قبل التصريح بها، أو على الأقل تغليفها بأساليبهم الناعمة المعروفة ليبدو هدفها البحث عن المصلحة العامة ودفع عجلة الإنتاج وغيرها من المبررات التي إعتدنا سماعها وعرفنا ماوراءها من أكاذيب وحيل، لحصد المزيد من الأموال .

إعتدنا على أطماع هؤلاء وتعودنا على رقصهم على كل الحبال وتقربهم من كل نظام لضمان استمرار سطوتهم وسيطرتهم وإمتلاء خزائنهم وجيوبهم. زكم أنوفنا عطن فساد بعضهم وحلمنا بثورة تطيح بكل أطماعهم ..لكن يبدو أن كابوسهم الجاثم على واقعنا وحياتنا أكبر وأثقل وأخطر من أن توقظه أحلام يقظتنا الخجولة.

هل كنا نتوقع أن يكون لكورونا أثر أكبر؟! هل كنا نتعشم أن يوقظ حصاد الموت المتقافز بلا رحمة ضمائر هؤلاء؟! هل كنا نتوهم أن تستنفر جثث الضحايا وأجساد المصابين الملقاة على الأسرة وفى الطرقات مشاعر الرحمة والإنسانية فتدفعهم للتفكير في مد يد العون للجميع؟!

هل كنا نتخيل أن يتعظوا من سقوط رؤساء وأمراء وقيادات دول العالم الأول ضحايا للفيروس، فاستوعبوا الدرس سريعا وشرعوا في أعمال إنسانية تساعد في مواجهة هذا اللعين الذى لاتوقفه حصون وقصور وأبهة وجاه وثراء وسلطة!

كيف ضمنوا ألا يكونوا بين ضحاياه؟! هل أخذوا عهدا من كورونا ألا يصيبهم دون سواهم؟! هل تيقنوا من أنه لن يصل إليهم وأنه آمنون منه وأن إجراءاتهم الإحترازية أقوى من أن يخترقها هذا الفيروس الهش رغم شراسته؟! هل ضمنوا أعمارهم بينما طائر الموت المحلق فوق رؤوس البشر يهدد الكوكب بالفناء!

مشاعر بالطبع لم تتطرق إلى قلوبهم فباتت أشد من الحجارة قسوة.. عكستها تصريحاتهم الفجة المطالبة بالعودة للعمل، حتى لوكان ذلك على حساب التضحية بأرواح العمال والموظفين.. والمهددة بعدم مد يد العون أو التبرع إذا لم يتم الإستجابة لدعوتهم بإعادة الحياة لما قبل الحظر.. والمنذرة بخفض الرواتب وتسريح العمالة إذا إستمر الحال كما هو عليه!!

رغم فجاجتها أرى أن تلك المواقف ليست غريبة ولم يفاجأ البعض بها.. بل جاءت متناسبة تماما لحالة التدليل التي طالما تمتع بها رجال الأعمال طوال عقود مضت ومازالوا يواصلون ما اعتادوا عليه حتى الآن، بعدما تم تأجيل ضريبة الأرباح الراسمالية لمدة عام، بعدما كان من المقرر تطبيقها مايو القادم!! وتم خفض الضرائب المفروضة على تعاملات البورصة!! وتم تأجيل سداد الضريبة العقارية المفروضة على المصانع لمدة ثلاثة اشهروإعفاء الاراضى الملحقة بالمصانع من هذه الضريبة!! وفى الطريق مشروع قانون يعطى الحق لمجلس الوزراء إسقاط الضريبة العقارية كليا أو جزئيا على القطاعات الاقتصادية!! وذرا للرماد في العيون أكدت الحكومة أن التمتع بالإمتيازات والإعفاءات مشروط بضمان حماية العمالة وعدم التخلي عنها!

كرم الدولة الحاتمى الذى اعتاد رجال الأعمال عليه لن يؤدي بالطبع إلى يقظة ضمائر هؤلاء، أو دفعهم لتغيير مواقفهم أو التضحية بالقليل من أرباحهم، والتنازل عن بعض اطماعهم ومصالحهم .. فرأس المال جبان وقلوب غالبية أصحابة لا إنسانية لاتعرف الرحمة ولاتفهم سوى لغة الأرقام والحسابات الجامدة. ولن تهتز بها ذرة من رحمة أمام كورونا أو أي كارثة إنسانية .. رأس المال ليس فقط جبانا لكنه أيضا صاحب قلب ميت.
-------------------
بقلم: هالة فؤاد







مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه